سورة الروم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{من كَفَرَ فعليه كُفره} أي: جزاء كفره {ومن عمل صالحاً فلأنفُسهم يَمْهَدُونَ} أي: يُوَطِّئُون. وقال مجاهد: يسوُّون المضاجع في القبور، قال أبو عبيدة: {مَنْ} يقع على الواحد والاثنين والجمع من المذكَّر والمؤنَّث، ومجازها هاهنا مجاز الجميع، و{يَمْهَد} بمعنى يكتسب ويعمل ويستعدّ.


قوله تعالى: {ومن آياته أن يُرْسِل الرياح مبشِّراتٍ} تبشِّر بالمطر {ولِيُذيقكم مِنْ رحمته} وهو الغيث والخصب {ولِتَجريَ الفُلْكُ} في البحر بتلك الرياح {بأمره} {ولِتَبتغوا} بالتجارة في البحر {مِنْ فَضله} وهو الرزق؛ وكلُّ هذا بالرياح.
قوله تعالى: {فجاؤوهم بالبيِّنات} أي: بالدلالات على صِدقهم {فانتقمنا من الذين أَجرموا} أي: عذَّبْنا الذين كذَّبوهم {وكان حَقّاً علينا} أي: واجباً هو أوجبه على نفسه {نصرُ المؤمنين} إِنجاؤهم مع الرُّسل من عذاب المكذِّبين.


قوله تعالى: {يُرْسِلُ الرِّياح} وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، والنخعي، وطلحة بن مصرِّف، والأعمش: {يُرْسِلُ الرِّيح} بغير ألف.
قوله تعالى: {فتُثير سحاباً} أي: تُزعجه {فيَبْسُطُهُ} الله {في السماء كيف يشاء} إِن شاء بسطه مسيرة يوم أو يومين أو أقل أو أكثر {ويجعلُه كِسَفاً} أي: قِطعاً متفرِّقة. والأكثرون فتحوا سين {كِسَفاً}؛ وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن عامر، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة: بتسكينها؛ قال أبو علي: يمكن أن يكون مثل سِدْرَة وسِدَر، فيكون معنى القراءتين واحداً {فتَرى الوَدْق يخرُج مِن خِلاَله} وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية: {مِن خَلَلِه}؛ وقد شرحناه في [النور43] {فاذا أَصاب به} أي: بالوَدْق؛ ومعنى {يَستبشِرون} يفرحون بالمطر، {وإِن كانوا مِنْ قَبْلِ أن يُنَزَّل عليهم} المطر {مِنْ قَبْله} وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه للتأكيد كقوله: {فسجد الملائكة كلُّهم أجمعون} [الحجر: 30]، قاله الأخفش في آخرين.
والثاني: أن {قَبْل} الأولى للتنزيل، والثانية للمطر، قاله قطرب. قال ابن الأنباري: والمعنى: مِنْ قَبْل نزول المطر، مِنْ قَبْل المطر، وهذا مثلما يقول القائل: آتيك من قبل أن تتكلم، من قبل ان تطمئن في مجلسك، فلا تُنكَر الإِعادة، لاختلاف الشيئين.
والثالث: أن الهاء في قوله: {مِنْ قبْله} ترجع إِلى الهُدى وإِن لم يتقدَّم له ذِكْر، فيكون المعنى: كانوا يقنَطنون من قبل نزول المطر، من قبل الهُدى، فلمَّا جاء الهُّدى والإِسلام زال القُنوط، ذكره ابن الأنباري عن أبي عُمر الدُّوري وأبي جعفر بن قادم. والمبلسون: الآيسون وقد سبق الكلام في هذا [الأنعام: 44].
{فانظُر إِلى آثار رحمة الله} قرأ أبن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: {إِلى أَثَر}. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {إِلى آثار} على الجمع، والمراد بالرحمة هاهنا المطر، وأثرها: النبت؛ والمعنى: انظر إِلى حسن تأثيره في الأرض {كيف يُحيي الارض} أي: كيف يجعلها تُنبت بعد أن لم يكن فيها نبت. وقرأ عثمان بن عفان، وأبو رجاء، وأبو عمران الجوني، وسليمان التيمي. {كيف تُحْيِي} بتاء مرفوعة مكسورة الياء {الأرضَ} بفتح الضاد.
قوله تعالى: {ولَئن أَرسلْنا ريحاً} أي: ريحاً باردة مُضِرَّة، والريح إِذا أتت على لفظ الواحد أُريدَ بها العذاب، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند هبوب الريح: «اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً» {فرأوه مُصْفَرّاً} يعني النبت، والهاء عائدة إِلى الأثر. قال الزجاج: المعنى: فرأَوُا النبت قد اصفرّ وجفَّ {لظلُّوا مِنْ بَعده يكفُرونَ} ومعناه: لَيَظَلُّنّ، لأن معنى الكلام الشرط والجزاء، فهم يستبشرون بالغيث، ويكفرون إِذا انقطع عنهم الغيث وجفَّ النبت. وقال غيره: المراد برحمة الله: المطر. و{ظلُّوا} بمعنى صاروا {من بعده} أي: من بعد اصفرار النبت يجحدون ما سلف من النِّعمة.
وما بعد هذا مفسَّر في سورة [النمل: 80، 81] إِلى قوله: {اللّهُ الذي خلقكم من ضَعْف} وقد ذكرنا الكلام فيه في [الأنفال: 66]، قال المفسرون: المعنى: خلقكم من ماءٍ ذي ضَعف، وهو المنيّ {ثُمَّ جَعل مِنْ بَعْد ضَعْف} يعني ضعف الطفولة قوَّة الشباب، ثُمَّ جَعل مِن بَعْد قوَّة الشباب ضعف الكِبَر، وشيبةً، {يخلُق ما يشاء} أي: من ضعف وقوَّة وشباب وشَيبة {وهو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء.
{ويوم تقوم الساعة} قال الزجاج: الساعة في القرآن على معنى الساعة التي تقوم فيها القيامة، فلذلك لم تُعرف أيّ ساعة هي.
قوله تعالى: {يُقسِم المجرِمون} أي: يَحْلِف المشركون {ما لَبِثوا} في القبور {غيرَ ساعةٍ كذلك كانوا يؤفَكون} قال ابن قتيبة: يقال: أُفِكَ الرجلُ: إِذا عُدِل به عن الصِّدق، فالمعنى أنهم قد كذَّبوا في هذا الوقتِ كما كَذَّبوا في الدنيا. وقال غيره: أراد الله تعالى أن يفضحهم يوم القيامة بين المؤمنين، فحلفوا على شيء يبَين للمؤمنين كذبُهم فيه، ويستدلُّون على كذبهم في الدنيا. ثم ذكر إِنكار المؤمنين عليهم بقوله: {وقال الذين أُوتوا العِلْم والإِيمانَ} وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: المؤمنون.
قوله تعالى: {لقد لَبِثتم في كتاب الله إِلى يوم البعث} فيه قولان:
أحدهما: أن فيه تقديماً وتأخيراً، تقديره: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإِيمان بالله، قاله ابن جريج في جماعة من المفسرين.
والثاني: أنه على نظمه. ثم في معناه قولان:
أحدهما: لقد لَبِثتم في عِلْم الله، قاله الفراء.
والثاني: لقد لَبِثتم في خَبَر الكتاب، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {فهذا يومُ البعث} أي: اليوم الذي كنتم تُنْكِرونه {ولكنَّكم كنتم لا تَعْلَمون} في الدنيا أنه يكون. {فيومَئذ لا يَنْفَعُ الذين ظَلَموا معذرتُهم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {لا تَنْفَعُ} بالتاء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالياء، لأن التأنيث غير حقيقي.
قال ابن عباس: لا يُقْبَلُ من الذين أشركوا عُذر ولا توبة.
قوله تعالى: {ولا هُمْ يُسْتَعْتَبون} أي: لا يُطلب منهم العتبى والرجوعُ في الآخرة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5